الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
ثم قال: {هُوَ الذي يُنَزّلُ على عَبْدِهِ} هو الذي ينزل جبريل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم، يقرأ عليه {بَيّنَاتٍ فاسأل} يعني: آيات القرآن، واضحات بيّن فيها الحلال، والحرام، والأمر، والنهي.{لِيُخْرِجَكُمْ مّنَ الظلمات إِلَى النور} يعني: يدعوكم من الشرك إلى الإيمان.ويقال: {بَيّنَاتٍ فاسأل} يعني: واضحات.ويقال: {ءايات} يعني: علامات النبوة {لِيُخْرِجَكُمْ مّنَ الظلمات إِلَى النور} يعني: ليوفقكم الله تعالى للهدى، ويخرجكم من الكفر.{وَإِنَّ الله بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} يعني: هداكم لدينه، وأنزل عليكم.ثم قال عز وجل: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ في سَبِيلِ الله} يعني: ما لكم ألا تصدقوا، أو ألا تنفقوا أموالكم في طاعة الله.{وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السموات والأرض} يعني: إلى الله يرجع ميراث السموات والأرض، أي: شيء ينفعكم ترك الإنفاق، ميتون، تاركون أموالكم.ويقال: معناه: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ} والأموال كلها لله تعالى وهو يأمركم بالنفقة.ويقال: أنفقوا ما دمتم في الحياة، فإنكم إن بخلتم، فإن الله هو يرثكم، ويرث أهل السموات.يعني: أنفقوا قبل أن تفنوا، وتصير كلها ميراثًا لله تعالى بعد فنائكم، وإنما ذكر لفظ الميراث، لأن العرب تعرف ما ترك الإنسان ميراثًا، فخاطبهم بما يعرفون فيما بينهم.ثم قال: {لاَ يَسْتَوِى مِنكُم} يعني: لا يستوي منكم في الفضل، والثواب عند الله تعالى: {مَّنْ أَنفَقَ} مَاله في طاعة الله {مِن قَبْلِ الفتح} يعني: قاتل العدو.وفي الآية: تقديم يعني: من أنفق وقاتل {مِن قَبْلِ الفتح} يعني: فتح مكة.ونزلت الآية في شأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار.يعني: الذين أنفقوا أموالهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاتلوا الكفار، لا يستوي حالهم وحال غيرهم.ويقال: نزلت الآية في شأن أبي بكر رضي الله عنه كان جالسًا مع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقعت بينهم منازعة في شيء، فنزل في تفضيل أبي بكر رضي الله عنه {لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ} ماله {مِن قَبْلِ الفتح} يعني: من قبل ظهور الإسلام {وقاتل} يعني: وجاهد {أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً} يعني: أبا بكر رضي الله عنه {مّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وقاتلوا} العدو مع النبي صلى الله عليه وسلم.ويقال: هذا التفضيل لجميع أصحابه رضي الله عنهم أجمعين.وروى سفيان عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَيَأْتِي قَوْمٌ بَعْدَكُمْ يَحْقِرُونَ أعْمَالَكُمْ مَعَ أعْمَالِهِمْ».قالوا: يا رسول الله نحن أفضل أم هم؟ فقال: «لَوْ أنَّ أحَدَهُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أدْرَكَ فَضْلَ أحَدِكُمْ ولا نِصْفَهُ».{أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً} قال الفقيه: حدثني الخليل بن أحمد.ثنا الدبيلي، ثنا عبيد الله عن سفيان، عن زيد بن أسلم {مّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وقاتلوا} {وَكُلًا وَعَدَ الله الحسنى} قرأ ابن عامر: {وَكُلٌّ وَعَدَ الله الحسنى} بضم اللام.والباقون: بالنصب.فمن قرأ بالضم، صار ضمًّا لمضمر فيه، فكأنه قال: أولئك وعد الله الحسنى.ومن نصب: معناه وعد الله كلًّا الحسنى يعني: الجنة.ثم قال: {والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} يعني: ما أنفقتم.ثم قال: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا} يعني: من ذا الذي يعطي من أموال الله قرضًا حسنًا.يعني: وفقًا بالإخلاص، وطلب ثواب الله تعالى: {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} في الحسنات، ويعطي من الثواب ما لا يحصى {وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} يعني: ثوابًا حسنًا في الآخرة.ويقال: نزلت الآية في شأن أبي الدحداح.ويقال: هو حث لجميع المسلمين.ثم قال عز وجل: {يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات} يعني: في يوم القيامة على الصراط {يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهم} يعني: بتصديقهم في الدنيا، وبأعمالهم الصالحة، فيعطى لهم النور، يمضون به على الصراط، فيكون النور بين أيديهم، وأيمانهم، وعن شمائلهم، إلا أن ذكر الشمائل مضمر.وتقول لهم الملائكة: {بُشْرَاكُمُ اليوم} يعني: أبشروا هذا اليوم بكرامة الله تعالى.{جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا} يعني: مقيمين في الجنة، ونجوا من العذاب {ذلك هُوَ الفوز العظيم}.قوله تعالى: {يَوْمَ يَقول المنافقون والمنافقات لِلَّذِينَ ءامَنُواْ انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} يعني: نُصِبْ من نوركم، فتضيء معكم.وروي عن أبي أمامة الباهلي أنه قال: بينما العباد يوم القيامة عند الصراط، إذ غشيتهم ظلمة.ثم يقسم الله تعالى النور بين عباده، فيعطي الله المؤمن نورًا، ويبقى الكافر والمنافق لا يعطيان نورًا، فكما لا يستضيء الأعمى بنور البصر، كذلك لا يستضيء الكافر والمنافق بنور الإيمان، فيقولان: انظرونا نقتبس من نوركم، فيقال لهم: {قِيلَ ارجعوا} حيث قسم النور فيرجعون، فلا يجدون شيئًا، فيرجعون، وقد ضرب بينهم بسور.وعن الحسن البصري قال: إن المنافقين يخادعون الله، وهو خادعهم، لأنه يعطي المؤمن والمنافق نورًا، فإذا بلغوا الصِّراط، اطفىء نور المنافق، فيقول: المنافقون {انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} قال: فيشفق المؤمنون حين طفىء نور المنافقين، فيقولون: عند ذلك {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا}.قرأ حمزة {انظرونا} بنصب الألف، وكسر الظاء المعجمة.والباقون: بالضم.فمن قرأ: بالنصب، فمعناه: أمهلونا.ومن قرأ بالضم، فمعناه: انتظرونا.فقال لهم المؤمنون: ارجعوا {وَرَاءكُمْ فالتمسوا نُورًا} يعني: ارجعوا إلى الدنيا، فإنا جعلنا النور في الدنيا.ويقال: ارجعوا إلى المحشر حيث أعطينا النور، واطلبوا نورًا، فيرجعون في طلب النور، فلم يجدوا شيئًا، {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ} يعني: ظهر لهم.ويقال: بين أيديهم بسور.يعني: بحائط بين أهل الجنة، وأهل النار، {لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ} يعني: باطن السور {فِيهِ الرحمة} يعني: الجنة {وظاهره مِن قِبَلِهِ العذاب} يعني: النار.ويقال: هو السور الذي عليه أصحاب الأعراف، فيظهر بين الجنة، والنار.باب يعني: عليه: باب فيجاوز فيه المؤمنون، ويبقى المنافقون على الصراط في الظلمة {ينادونهم} من وراء السور {أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ} يعني: ألم نكن معكم في الدنيا على دينكم، وكنا معكم في الجماعات، والصلوات، فيجيبهم المؤمنون.{قالواْ بلى} يعني: قد كنتم معنا في الدنيا، أو في الظاهر.{ولكنكم فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} يعني: قد أصبتم أنفسكم حيث كفرتم في السر.ويقال: {فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} يعني: ثبتم على الكفر الأول في السر {وَتَرَبَّصْتُمْ} يعني: انتظرتم موت نبيكم.ويقال: {تربصتم} يعني: أخرتم التوبة، وسوّفْتُمْ فيها.{وَتَرَبَّصْتُمْ وارتبتم} يعني: شككتم في الدين، وشككتم في البعث {وَغرَّتْكُمُ الامانى} يعني: أباطيل الدنيا {حتى جَاء أَمْرُ الله} يعني: القيامة {وَغَرَّكُم بالله الغرور} يعني: الشياطين.وقال الزجاج: {الغرور} على ميزان فعول، وهو من أسماء المبالغة، وكذلك الشياطين {الغرور} لأنه يغري ابن آدم كثيرًا.ثم قال: {فاليوم لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ} يعني: في هذا اليوم وهو يوم القيامة.وقرأ ابن عامر: {فاليوم لاَ} بالتاء لأن الفدية مؤنثة.وقرأ الباقون: بالياء.وجمع على المعنى، لأن معنى الفدية فداء، ومعناه: {فاليوم لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ} الفداء يعني: المنافقين {وَلاَ مِنَ الذين كَفَرُواْ} يعني: الذين جحدوا بتوحيد الله تعالى، {مَأْوَاكُمُ النار} يعني: مصيركم إلى النار يعني: المنافقين، والكافرين {هِىَ مولاكم} يعني: هي أولى بكم بما أسلفتم من الذنوب {وَبِئْسَ المصير} يعني: بئس المرجع النار للكافرين، والمنافقين. اهـ.
|